داعياً إلى تخصيص الشركات منخفضة الأداء مثل مصفاة البحرين.. د. جعفري: نحتاج لتنفيذ مشروعات يتلمس المواطن فوائدها بعيداً عن البهرجة

دعا الاقتصادي الرئيس التنفيذي لاستشارات جافكون لتحسين الإنتاجية والأداء الدكتور أكبر جعفري البحرين إلى الارتداد للداخل لتنفيذ مشروعات تحسن من الإنتاجية يتلمس آثرها المواطنون، بعيداً عن البهرجة والهدر، مقدراً نسبة الهدر في ميزانية الحكومة بنحو 35%.

وشدد د. جعفري على أهمية أن تهتم الدول بالطاقات البحرينية وتنمية الكوادر البشرية للاعتماد عليها في إدارة شركاتها الكبرى، منتقداً ظاهرة إناطة مسؤوليات الشركات الكبرى الرؤساء التنفيذيين الأجانب.

وذهب إلى ضرورة أن تفكر الدول في خصخصة بعض الشركات التي لا تحقق أرباحاً جيدة، مثل مصفاة البحرين، مؤكداً أن إدارة القطاع الخاص لعملية الإنتاج من شأنها أن تحسنها وتزيد من ربحيتها.

ومن جانب آخر، أكد د. جعفري في حديث لـ “الأيام الاقتصادي” على أن الدول الغربية منهكة اقتصادياً، خلافاً لدول الشرق الأقصى التي تنمي تجارتها باستمرار، مطالباً دول المنطقة بتحري مصالحها من خلال الانفتاح على دول المشرق اليافعة والنامية.

وشدد على أن جاذبية دول الخليج بالنسبة للغرب بدأت تتضاءل، وخصوصاً بعد اكتشافات كبيرة للنفط الصخري في أمريكا الشمالية .وقال د. أكبري: “إن الاقتصاد العالمي الآن في وضع منهك تماماً”، مقللاً من دقة الأخبار التي تأتي من “هنا وهناك لتصف تحسناً في اقتصاديات المتقدمة”.

وتابع قائلاً: “الوضع صعب جداً بالذات للاقتصاديات المتقدمة”، مشيراً إلى أن “حجم الأزمة العالمية يعادل 366 تريليون دولار بسبب السرقات والتجاوزات والديون والاحتيالات وغسيل الأموال”، مؤكداً أن مقابل كل تلك التجاوزات “انكسرت الجرة في العام 2008 وتفجرت الأزمة المالية العالمية”.

وشدد على أن “الأزمة في حقيقتها أزمة أخلاقية، والدليل على ذلك أنها كانت أزمة مقننة وتحت غطاء شرعي قانوني، فكثير من المصرفيين الذين قبض عليهم سرحوا لأنهم كانوا يعملون ضمن القانون”.

مشكلة الاقتصاد العالمي لا تزال قائمة

وشدد على أن “المشكلة في الاقتصاد العالمي لا تزال قائمة”.

وقال الرئيس التنفيذي لاستشارات جافكون لتحسين الإنتاجية: “لدينا نحو 47% من حجم الاقتصاد العالمي يتركز في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية حيث تركزت المشاكل بعد الأزمة المالية العالمية، وهذه الدول لا تزال منهكة”، مشيراً إلى أن “كثيراً من مديونيات هذه الدول أعلى من الناتج المحلي لها بنسبة 100%، وبعضها بنسبة 200%، بينما النسبة المسموح بها 60% فقط”.

وأردف قائلاً: “ان بريطانيا في انحدار متسارع، ونسب الفقر في حالة نمو متسارع”.

ودلل د. جعفري على كلامه بأن ذلك الوضع هو الذي أدى إلى تغيير آليات تعامل الغرب مع الدول التي يهددها. وقال: “الآن السياسة تغيرت بسبب الأوضاع الاقتصادية، فبعد التهديدات والغزو العسكري الذي قام به الغرب لأفغانستان والعراق اتخذ الغرب مساراً سياسياً تفاوضياً مع سوريا وإيران، وذلك بسبب الإنهاك الاقتصادي”.

وأكد أن “الخيار العسكري بات منتفياً بسبب المشكلات الاقتصادية”.

ولفت إلى أن “الاقتصاد العالمي مهدد من قبل الشرق، وخصوصاً الصين والاقتصادات اليافعة الأخرى، مثل: الهند، وروسيا، وكوريا الجنوبية، وإندونيسيا، وإيران معهم أيضاً حيث هنالك تفاؤل كبير بمستقبل هذه الدول الاقتصادي”. وقال: “إن هذه اقتصادات صاعدة، في مقابل كتلة الاقتصادات المنهكة”.

وأردف قائلاً: “ليس بدعاً الحديث عن تهالك هذه الاقتصادات، ففي خانة أسوأ النماذج يمكن أن نعدد ضمنها إسبانيا، وإيرلندا، واليونان حيث لا يوجد مؤشر لإعادتها للحيوية”، مشيراً إلى ان “جميع هذه الدول تخطت مديونياتها نسبة 100% من الناتج القومي، وهذه الظاهرة لم تكن موجودة قبل 80 سنة تقريباً”.

وأكد أن هذه الظاهرة تصب في مصلحة الدول اليافعة، لافتاً إلى أن التوجه العالمي حالياً نحو الشرق.

وقال: “إن نحو 40% من التجارة العالمية تمر ببحر الصين الجنوبي”، متوقعاً أن “تزداد هذه النسبة إلى نحو 50% في المدى المنظور”.

التجارة العالمية تتجه شرقاً

وذهب إلى أنه في “ظل تدهور الاقتصاد العالمي واتجاه التجارة شرقاً واحتمال حدوث صدمات اقتصادية في الدول الغربية فإنه بناء على هذه المعطيات لن نشهد خلال العام الجاري أية حروب أو صدامات”.

وتساءل د. أكبر جعفري قائلاً: “في ظل هذه الأوضاع لنا أن نتساءل إلى أين تتجه الدول الخليجية؟”.

وأردف قائلاً: “نجد أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا بدأت تتخلى عن مصالح لها في منطقة الخليج العربية لأسباب اقتصادية وتجارية حيث بات الشرق أكثر جاذبية، بالإضافة إلى الاكتشافات الجديدة للنفط الصخري في أمريكا وكندا الذي ستصل معدلات إنتاجه إلى نحو 16.9 مليون برميل يومياً في العام 2017 بما يعادل نحو 50% من إنتاج النفط الأحفوري”.

ورأى الرئيس التنفيذي لاستشارات جافكون لتحسين الإنتاجية أن “نفط الخليج سوف يبقى جاذباً للصين، وستبقى إيران والعراق دولتان محوريتان للغرب والشرق في المنطقة”.

وقال د. جعفري: “لقد وضعنا أنفسنا خلال السنوات الأربعين الماضية في موقع غير سليم استراتيجياً، إذ عولنا فيه بصورة أكبر من اللازم على أمريكا وفرنسا وبريطانيا التي تتحرك وفقاً لمعادلة المصالح وليس المبادئ”.

وتابع قائلاً: “لقد كان موقف أمريكا باستبعاد الخيار العسكري في سوريا صادماً لدول عدة في المنطقة، وهنالك لعبة جديدة، ومراجعة ذاتية تجعلنا نرتد للتفكير في التركيز على الداخل”.

واستدعى في هذا السياق مقولة أوردها أحد المسؤولين في المنطقة، مفادها أن الدول الخليجية فرشت أجنحتها للخارج أكثر من اللازم، وعليها الارتداد للداخل ورفع معيشة المواطن واستكمال البنية التحتية.

الاهتمام بالداخل والمؤشرات التنموية

وقال: “إن هذا الكلام ينطبق على البحرين حيث ينبغي التركيز على الداخل، والاهتمام بالمؤشرات التنموية”.

وشدد على أن “المؤشر المعول عليه هو مؤشر مستوى المعيشة في الصحة والتعليم بما يحيل إلى تخريج بحرينيين ينتجون أكثر مما يستهلكون”. وقال: “نحن رابع دولة في حرية التجارة، وهذا لا يعني شيئاً لوحده، وإنما المهم الإنتاج والإنتاجية ورفع مستوى المواطن”.

وأوضح أن “البحرين تعاني من سوء في الصرف والإهدار”، مقدراً نسبة الهدر في ميزانية الحكومة بنحو 35% بحسب تقديره الشخصي. وقال: “إن الهدر إما يكون بسبب سوء الإدارة أو الفساد أو ضعف الإنتاجية”، مشدداً على ضرورة أن “تتوجه الجهود إلى الارتقاء بزيادة الإنتاجية والاستفادة المثلى من الموارد والمصادر المتاحة لدينا”.

وقال: “لو استقرأنا الأرقام سنجد أن حصة الفرد في الناتج الإجمال يتصل إلى 27 ألف دولار في السنة، وذلك يجعلنا في ثاني أعلى مجموعة بالنسبة لدول العالم الغنية، وذلك أن المعدل العالمي 13 ألف دولار فقط، وذلك يعني أننا أعلى بمعدل الضعف تقريباً”.

واستدرك قائلاً: “لكن الكثير من المواطنين يجدون صعوبات”.

استقطاب المشروعات ليس هدفاً في نفسه

وذهب د. أكبر جعفري إلى أهمية “الاهتمام بالداخل وترك البهرجة الخارجية، فالحديث عن استقطاب استثمارات، وطرح مشروعات ليس الغاية، وإنما الهدف أن يتلمس المواطنون فوائد الاستثمارات والمشروعات”.

وقال: “الاقتصاديات لا تقاس بطول البنايات بل بالقوة الشرائية للمواطن ومستوى معيشته الذي يضمن التعليم والسكن والتوظيف والصحة، والكثير من هذه البنود غير متوافرة بالمستوى المطلوب”.

وشدد على أن “من بين استراتيجيات الاهتمام بالداخل: الاهتمام بالعقول البحرينية، والاهتمام بمهنية البحرينيين”. وأردف قائلاً: “نحن الدولة الوحيدة تقريباً التي يدير شركاتها الكبيرة رؤساء تنفيذيون أجانب، بل ويمثلونها في الاجتماعات الخارجية”.

ودعا في الوقت نفسه إلى أن “تقوم الحكومة بخصخصة بعض الشركات التي تملكها، وخصوصاً تلك التي لا تحقق أرباحاً جيدة، مثل مصنع التكرير”، مؤكداً أن “وضع هذه الشركات بيد القطاع الخاص ممكن أن يحسن من إنتاجيتها وربحيتها، ويقلل من الفساد في هذه الشركات”.

وتساءل قائلاً :”شركة مثل بابكو التي تزيد خبرتها على 75 سنة، لماذا رئيسها التنفيذي أجنبي، فأين كواردنا البحرينية”.

ونوه د. جعفري إلى أن “الاعتماد على الكفاءات البحرينية من شأنه تحسين الإنتاجية، وذلك ما ثبت في طيران الخليج مؤخراً الذي قلصت من حجم خسائرها بعد أن تولى قيادتها بحريني مؤهل”.

وقال: “من المفارقات أن كثيراً من الكفاءات البحرينية عندما تخرج إلى العالم تقود شركات عملاقة وباقتدار، فالخلل ليس في كوادرنا وإنما في عدم منحهم الفرصة”.